لمار في مكان ما!!بقلم/أم عبد الملك..كامله

SOoΚaRh

Well-known member

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حبيت اليوم أني أنزلكم روايه جديدة بعنوان لمارفي مكان ما
وهذي أول رواية أنزلها أتمنى أنها تعجبكم
أتركم مع القصة

الجزء الأول...

في مكان ما..بقلم/أم عبد الملك

وفي أحد الحدائق المجانبة لشارع يضج بالحركة في ضوء النهار..

تقف طفلة ذات اثنا عشر عاما

طفلة جميلة بملامح شرقية

عينان سوداوان واسعتان

وأنف عربي شامخ

وفم وردي منقبض

ينسدل على كتفيها شعر كستنائي كثيف يصل إلى منتصف ظهرها

يحيط شعرها بوجهها الدائري الطفولي فكأنها هالة نور تشع بالبراءة والطهر

تقف وهي تلبس فستانا رقيقا إلى منتصف ساقيها

وأكمامها بالكاد تغطي ساعديها

وتنتعل في قديها الرقيقتين صندل ذي حبلين متضاربين

تقف وعيناها مشدودتان للمنظر من حولها

؟ ما هذا؟

هل أنا في حلم

من الذي أتى بي إلى هنا؟؟

00000000000000000000000000

تنفض ثيابها .. فقد كانت نائمة على أحد كراسي الحديقة المطلة على الميدان المزدحم بالناس

تخطو خطوات نحو الشارع فالحديقة عامة ولا يفصلها عن الشارع سوى بعض شجيرات بعضها مرتفع والاخر قصير

تصل إلى الرصيف بينما لسعة من برودها تلمس كتفيها ، فتضم يديها إلى صدرها وتنظر إلى الشارع أمامها

غريب ... كل شيء هنا غريب!!

السيارات لا تحمل لوحات لبلدي والمباني أيضا تختلف.. حتى الناس هناك مختلفون ... أين الملابس العربية؟

الرجال بملابس غربية والنساء كاشفات .. وأيضا هن غربيات ولسن عربيات !

كيف تغير المكان ؟

ما الذي أتى بي إلى هنا ؟

تدفعها التساؤلات لتندفع هي للبحث عن اللغز المحير !

تمشي على الرصيف لا تعرف لها وجهة أو مكان تأوي إليه

تندفع هذه الطفلة الصغيرة لتصل إلى شارع ذي محال تجارية ويتزاحم الناس أمامها

لعله سوق .. تدخل بين الناس تبحث عن شيء لا تدري ما هو ؟

لعله دليل أو شخص يخبرها كيف جاءت هنا

طفلة تائهة في شوارع مدينة لا تعلم أين موقعها من العالم

وجوه الناس وبشرتهم البيضاء والشعر الملون ما بين أشقر وبني وأحمر وأسود تشي بأنها مدينة في أوروبا أو أمريكا

ينظر إليها رجل ربما في الخمسين من عمره ويتكلم بلغة غير مفهومة .. ثم يسألها مشيرا إلى ملابسها ولكنها لم تفهم شيئا

فهي لا تعرف غير العربية

وأنى لها أن تعرف لغة ذلك الرجل أو مدينته ؟؟

انصرف الرجل بينما تصغي بأذنيها للغة يتكلمها هؤلاء البشر لا تفقه منها حرفا واحدا

حتى هذه الكلمات المكتوبة على واجهات المحلات التجارية لغة غريبة .. قد تكون انجليزية وقد تكون لغة تشبهها

حتى اللغة الانجليزية لا تعرف منها سوى بضع كلمات مثل يس ونو ونيم هواريو التي تعلمتها في المدرسة

اللوحات في الشارع والإعلانات لا يوجد فيها حرف واحد مفهوم

0000000000000000000000000000

أتى المساء وهذه الطفلة تهيم وتهيم على وجهها

وتسير على غير هدى والهواء البارد يلفح جبينها ليطير بعض الخصلات من شعرها

وتمسك عضديها بيديها من البرد

تمشي وهي تنتفض

ولا مئونة معها ولا شيء يدفئها

بدأ الظلام الحالك يكسو المدينة التي سكنت لتنام

بينما هذه الطفلة الصغيرة لا تستطيع النوم

وخلت الشوارع إلا من بعض السيارات الصغيرة

تعبت من المشي المتواصل ومن الهواء البارد

ومن الجوع القارص

ولا تدري ماذا تفعل

صارت تبحث عن أي شيء يؤكل أو شيء يغطيها عن البرد

ولا شيء سوى الأرصفة والمباني والمحال التجارية

شاهدت هناك بين بعض البيوت الساكنة قطعة خضراء وفيها أشجار وبجانبها مبنى أثري قديم

وصلت إلى جدار المبنى الحجري والتصقت في منعطف منه وأرخت رأسها الصغير والذي لم يعد يقو على التفكير بسبب التعب والجوع والبرد

نامت نوما أشبه بالإغماء منه بالنوم

000000000000000000000000000000 0

في الصبح تدغدغها الشمس بدفئها وبنورها

تصحو لتجد عاملا يكنس المكان بالقرب منها ، وعندما شاهدها مفتحة العينين أتى يجر مكنسته ويلقي عليها بعض الأسئلة

وهي لا تفقه حرفا مما يقول

يشير إليها ثم يلوي يده مستفهما ويردد بعض الكلمات وهي لا تعرف كيف ترد عليه

اقترب منها وأخذ يتكلم ويستجديها أن ترد عليه

قالت : ما أدري وش تقول .. أنا ما أفهمك .. وما أدري وش اللي جابني هنا

نظر إليها مندهشا وكأنه اكتشف شيئا .. نعم اكتشف أن هذه الطفلة لا تتكلم بلغته .. إذن كيف يتفاهم معها

لم يكن جنس هذا العامل ممن يميلون للمساعدة ولكن حبه للأطفال وجمال هذه الطفلة بالذات جعلاه يعرض عليها مساعدته

ولكن ... كيف يتفاهم معها ؟؟

نظر إليها وقد ازرقت أطرافها من برد البارحة رغم أنهم في أشهر الصيف !

ونظر إلى ثيابها الخفيفة

وشفتيها المتيبستين

فعرف أنها عانت الأمرين الجوع والبرد

الطفلة تكلم بلغة غريبة .. أول مرة يسمعها ولا يكاد يفهم منها شيئا

أشارت إلى بطنها وإلى جسمها

ففهم ما أرادت

كانت تقول: على الأقل جب لي شيء اكله وشيء يدفيني ... تعذبت البارح ما أدري وين أروح

لم يرد عليها وإنما وقف .. لا يدري ماذا يقرر

ثم تذكر زوجته التي عاش معها ثلاثين سنة ورزقا بولد وبنت ماتت صغيرة في حادث غرق

وهذا الولد لقد كبر واستقل بنفسه فلم يعد يراه إلا مرة أو مرتين في السنة

ثم نظر إلى الطفلة المتقوقعة على نفسها في هذه الزاوية .. وتخيلها طفلته التي فقدها قبل عشرين عاما عندما كان عمرها سنتين فقط

لو أنها موجودة لكان عمرها الان اثنين وعشرين عاما

مد يده للطفلة المسكينة فقامت معه لا تمانع شيئا

ومشى معها إلى خارج الحديقة الصغيرة

وسار في الشارع لينعطف يمينا ثم شمالا حيث يقع بيته المتواضع

يفتح الباب الذي يسبق الفناء الصغير المزروع ببعض النباتات والزهور ثم يصل إلى باب المنزل ويفتحه مناديا: ميري
ميري

تخرج امرأة تخطو نحو الخمسين من عمرها ولكنها بصحة جيدة وقوام رشيق ثم تتقدم نحو العامل الكهل الذي يقف في منتصف المكان ممسكا بيد الطفلة

ويبدان بالكلام الذي ارتفعت حدته قليلا والطفلة العربية تقف بينهما لا تفهم شيئا

بينما يشير الرجل الكهل إليها ويكمل كلامه .. ثم يشير إلى ساعته ويخرج مغلقا الباب خلفه​
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
هلا بك
اشكرك على الروايه
بس ماوضحتي اهي لك اولا
وراجعي قوانين القسم الله يسعدك
ولاتطولين بتنزيل البارتات
ولك كل الشكر
 
أهلين فيك
الرواية مو لي يعني مو أنا كاتبتها
بس حبيت أنقلها لكم
وأشكر لك إهتمامك وأنشاء الله ما أطول في التنزيل
 
أشكر لكم تفاعلكم
أنشاء الله الحين بنزل الجزء الثاني

الجزء الثاني...

تتقدم ميري من الطفلة

لتأخذ بيدها وتدلها على الحمام وتحضر لها منشفة

جلست ميري على الكرسي في الصالة المتسعة والتي يتربع على يمينها كنب ومكتبة فيها تلفاز تتوسطها نافذة كبيرة

وفي الجانب الاخر طاولة الطعام وبالقرب من الباب كرسيان بينهما طاولة مستديرة عليها شمعدان

في المقابل من باب المنزل هناك بهو صغير عليه غرفتان وباب متواري في ركن منه هو الحمام - أعزكم الله - وفي اخر البهو مطبخ صغير له باب خلفي
خرجت الطفلة من الحمام بعد أن استحمت ولبست ملابسها وهي تجفف شعرها

وتقدمت إلى وسط الصالة .. تنظر إلى السيدة لا تدري ماذا ستفعل بها؟؟

أشارت ميري إلى طبق من الخبز وبعض الجبن وكوب من الحليب وهي تتكلم بلغتها غير المفهومة

جلست إلى طبقها لتأكل وتسد جوعها ولما انتهت نظرت إليها ميري مبتسمة وأشارت إلى صدرها وقالت: ميري ... ميري
ثم أشارت إلى الباب حيث خرج زوجها وقالت ستوفيوس .. ستوفيوس

ثم أشارت إليها مستفهمة ...أي ما اسمك؟

فهمت الطفلة العربية فقالت: لمار
أعادت ميري الاسم وكررته كأنها تريد حفظه : لمار ... لمار

وصفقت بحيوية وكأنه تصفق للانتصار في التواصل مع هذه الطفلة الأجنبية

ارتاحت لمار عندما فهمت أن اسم السيدة ميري وأن السيدة عرفت اسمها

انتهت من وجبتها ثم أخذتها ميري لتتجول في المنزل وكأنه منزلها وتشير إلى الأشياء لتعلمها اسمها بلغتها

وأخذت لمار تردد خلفها باب طاولة كرسي نافذة

ثم أخذتها إلى غرفة مكدس فيها بعض الأثاث وفي جانب منها وضعت ميري مرتبة ثم غطتها بغطاء أبيض وأشارت إليها أن ارتاحي هنا

وجلبت لها لحافا دافئا

وتركت الباب مواربا

ضمت لمار لحافها الجديد واستلقت على فراشها وأغمضت عينيها

كأن طعام الإفطار أعاد لها ذاكرتها وفكرها وذكاءها

فأخذت تتذكر الأحداث غي الاونة الأخيرة

000000000000000000000000000000 0000000000000000000

كيف جاءت إلى هنا
أين أمها وأبوها وأخوتها؟

نعم تذكرت عندما ودعتهم في مطار المدينة لتسافر مع أخيها أحمد إلى الرياض لتزور بعض أقاربها ريثما يلحق بها والداها وبقية أخوتها في الغد

قبل أيام قليلة تسلمت شهادة النجاح من المرحلة الابتدائية حيث ستنتقل إلى المرحلة المتوسطة بعد ثلاثة أشهر

وفي اليوم التالي أقاموا هي وأخوتها وأبناء الجيران حفلة نجاح جميلة

تقاسموا فيها الحلوى والهدايا وكانت أحلى المفاجئات قدوم أخيها أحمد الذي يكبرها بسبع سنوات من الرياض حيث يدرس هناك

وبعد يومين عاد إلى الرياض ليصحب معه أخته بالطائرة

أبوها ودعها وداعا حارا وحزينا وكأنه لن يراها بعد ذلك

وركبا الطائرة صباحا ولكنها وبسبب السهر ليلا نامت في الطائرة وعليها ......

لا تدري كيف جاءت إلى هذا البلد الغريب؟

هل أخطأت الطائرة في مسيرها؟

هل اختطفت؟

وحتى لو حصل واحد من هذه الأمور .. أين أحمد؟؟

من المفترض أن يكون معها الان ..!

هذا اللغز الكبير .. قدومها إلى هذه البلاد الغريبة واختفاء أخيها .. يحيرها فعلا !!

بقيت تفكر وتفكر حتى أتعبها التفكير

فجلست تتذكر أمها وأخوتها الصغار

رغم أن أمها تقسو عليها أحيانا إلا إنها تحبها وتشتاق إليها

ربما تقسو عليها لأنها الكبرى

أو لأنها كثيرة الحركة وتحب اللعب

أين أنت يا أمي الان ؟ ... تعالي وسوف أطيعك في كل شيء

وسوف لن ألعب كثيرا

سوف أعتني بأخوتي

أبي .. حبيبي ... أين أنت؟؟

وفاضت من عينيها دموعا لتسيل على خديها المتوردين

وأخذت تبكي وتبكي فأبوها يحبها كثيرا ويضمها على صدره دائما ويفرحها بالهدايا والألعاب والملابس

يفضلها على أخوتها ويحقق لها كل ما تتمناه في هذه الدنيا

كيف هو الان ؟ لا بد أنه سيجن عندما يعلم باختفائي في هذه البلاد البعيدة

ظلت تبكي إلى أن نامت ورأت في حلمها امرأة بملابس بيضاء على فراشها لم ترها قبل في حياتها
تقول لها أنت قريبة يا ابنتي ، لا تيأسي وابحثي عني

000000000000000000000000000000 000000000000000000000000000

انتبهت من نومها على صوت ميري التي تتكلم وهي تقف بجانبها وتشير إلى خارج الغرفة

ثم خرجت لمار لتجد العامل يجلس بجانب زوجته على طاولة الطعام التي يتوسطها الغداء ففهمت أنها نامت حتى وقت الغداء

فتوجهت إلى الحمام لتغسل وجهها

ثم تذكرت أمرا

لقد تذكرت الوضوء والصلاة

كيف لم تصل من الأمس ؟

وتذكرت أباها وهو يقول أهم شيء يا بنتي في الدنيا هي الصلاة .. ما يتوفق الإنسان في حياته وهو ما يصلي لربه واللي ما يصلي كافر .. إلخ النصائح التي ينصحها بها أبوها

وتذكرت أنها في مأزق وكربة ... ولن يفرج عنها هذه الكربة إلا الله ... فتوضأت ثم اتجهت إلى الغرفة لتأخذ الغطاء الأبيض رغم اتساعه وتلفه عليها لتصلي وعندما أرادت التوجه للقبلة حارت في أمرها فهي لا تعرف أين هي أصلا حتى تعرف القبلة ؟؟

وهؤلاء الذين تسكن عندهم بالتأكيد غير مسلمين

دارت حول نفسها مرتين ثم قررت أن تتجه إلى الوجهة التي ارتاحت لها وصلت

وأخذت تصلي الصلوات الفائتة

عندما تباطأت ميري لمار ذهبت إليها في غرفتها لتصدم بالأمر !

ماذا تفعل هذه الفتاة؟؟

وأسرعت إلى زوجها الذي جاء مسرعا ووقفا بالباب يتفرجان عليها

ويسألان بعضهما ماذا تفعل؟

قال ستوفيوس لزوجته : لابد أنها صلاة المسلمين

لقد رأيت مرة عندما سافرت إلى تركيا أناس مسلمون يصلون هكذا ونساؤهم يتحجبن هكذا

فردت ميري: إذن هذه الفتاة تركية مسلمة

هز كتفيه وقال: ربما

إنه لا يحب الأتراك ولا يحب المسلمين

وفوق هذا يجلب فتاة مسلمة إلى بيته؟؟

ماذا يفعل؟

هل يطردها؟

لا فهذا ليس من الذوق في شيء

ولمعت في رأسه فكرة

سينصّرها

فهي لا تزال طفلة

وستساعده ميري في ذلك فهي متعصبة للكنيسة
 
الجزء الثالث,,

هناك في السعودية وفي المدينة تحديدا ... أبو أحمد ينتظر اتصالا من ابنه الذي سافر قبل أيام قليلة بخصوص موضوع بينهما هما الاثنين ويخص طفلته المحبوبة (لمار)

ولكن..
لم يتصل إلى الان وقد حاول الاتصال على جواله مرارا ولم يرد

ما الذي حصل يا ترى؟

هل وصلا بسلام؟

هل أضاع جواله؟

هل حصل لهما مكروه؟

لا يدري كيف يتوصل أبو أحمد إلى إجابة لهذه التساؤلات ؟؟

زوجته أم عمر وهي ليست أم أحمد لأنها الزوجة الثانية بعد الزوجة الأولى التي سمعت أنها توفيت أثر مرضها ..

أم عمر ترى زوجها قلقا على ابنيه وتحاول أن تعرف ما الذي يجري بالضبط؟

لقد قال لها أبو أحمد أنهما وصلا بسلام وسيعاودان الاتصال بها ... ولكن...

لماذا لم يتصلا إلى الان ؟؟

لقد وعدتها لمار بأن تتصل بها وقالت : أنا لن أصبر عنك يوما واحدا يا ماما

ومضت أيام ولم تسمع صوتها

إنها تفتقدها وتفتقد شقاوتها وحركتها

وحتى مشاجراتها مع أخوتها

لقد كانت تكره تدليل أبيها لها

والان...

أحست بالرحمة لذلك الأب المدلل لابنته

ولتلك البنت التي ابتعدت عن أبوها

يا ترى ما الذي يجري؟؟

لماذا أبو أحمد قلق ولا يريدها أن تسأل عنهما؟

لا بد أن الأمر فيه شيء غير طبيعي!

العائلة كلها أصابها التوتر والاضطراب رغم تكتم الأب على اختفاء ولديه ، الذي اعترف بعد أن طالت المدة لزوجته فصدمت بالأمر

00000000000000000000000000000

أحمد لا أحد يعلم ما الذي أصابه

لمار هي الأخرى لا أحد يعرف عنها شيئا

فقط هي تعلم أنها في دولة غربية وبعيدة ولا تعلم كيف وصلت إليها ؟؟

الان..

لمار تعيش مع هذه الأسرة الغربية رغم صعوبة العيش والتأقلم معهم وبيئتهم المختلفة عنها

في الأيام التالية نظفت ميري وساعدتها لمار الغرفة حتى تستطيع الارتياح والنوم فيها

الغرفة كانت لابنها الذي تركهم من سنين مهاجرا إلى بريطانيا لدراسة الطب، وهو قبل أشهر أخبرهم في رسالته أنه عازم على الزواج قريبا عندما ينهي دراسته، وعودته ستكون حسب ظروف عمله وعمل زوجته الجديدة

يوجد في الغرفة دولاب خشبي قديم وسرير وبعض العفش المكدس، استعانت ميري بزوجها ستوفيوس لتحريك الدولاب ولتركيب السرير من جديد

ومن ثم أكملتا ترتيب وتنظيف الغرفة حتى أصبحت معقولة

لقد كان ذلك يوم الأحد يوم الإجازة الأسبوعية فميري غير متفرغة خلال الأسبوع فهي تعمل في مصنع للنسيج وفي نهاية الأسبوع تقوم ببعض الأعمال المنزلية المكدسة بسبب عدم وجود خادمة ومرتبهما الاثنين متواضع بالنسبة لأسعار المعيشة المرتفعة

وفي المساء قبل غروب الشمس بساعة تخرج مع زوجها للنزهة خارجا إما على شاطئ البحر أو للسينما أو للتسوق أو لتناول طعام العشاء البحري

وفي ذلك المساء عندما انتهت من ترتيب غرفة لمار أخذتها للسوق لتشتري لها ملابس وأغراضا أخرى ثم تتواعدان مع ستوفي كما تناديه ميري في أحد المطاعم البحرية الشعبية والتي تقدم السمك المشوي اللذيذ

0000000000000000000000000

ارتاحت لمار نوعا ما للمعاملة الحسنة التي قوبلت بها من العامل ستوفي وزوجته، فقد أكرماها ورتبا لها غرفة خاصة واشتريا لها ما يلزمها وأخذاها في نزهة جميلة ذلك المساء

ومرت الأيام سراعا ولمار تعيش أجواءً جديدة وغريبة ... لكنها بدأت تتأقلم

ورغم أنها إلى الان لا تعرف موقعها من العالم ولا كيف تتفاهم مع هؤلاء البشر إلا أنها ارتاحت لمعرفتها بعض الألفاظ التي تعلمها إياها ميري

ففي كل يوم تعيد عليها بعض الكلمات مع زيادة يومية وتكررها وتعلمها الحروف تدريجيا وتطلب منها كتابتها

وهكذا

مضى شهر كامل ولمار لا تعرف كيف تصوغ سؤالا من هذه اللغة الجديدة عن اسم البلد والمدينة واسم اللغة التي تتكلمها

000000000000000000000000000000

خلال هذا الشهر سافر أبو أحمد في أثر ابنيه أحمد ولمار باحثا عنهما ومبلغا الشرطة عن اختفائهما

ولا أثر أو معلومات عنهما ؟؟

وظل يبحث ويسأل حتى تسلل إلى نفسه اليأس والحزن

ومر شهر اخر ولا معلومة واحدة، وأبو أحمد في حيرة من أمره ... أيسافر للبحث عنهما ,يترك زوجته وأولاده والمدارس على الأبواب

أم يترك الأمر للشرطة والإعلام؟

ولكن ما من مفر من الجلوس مع أبنائه حيث ابتدأت المدرسة وهم في حاجته ولم يجد خيرا من الدعاء في أن يعيد الله له أبناءه المفقودين

000000000000000000000000000000 000000000000

بدأت لمار تجتهد في تعلم اللغة الجديدة وصارت تتحدث مع سيدة المنزل ميري بلغة مكسرة مضحكة ولكن سرعان ما تحسنت وسؤال يشغل بالها أين أنا ؟؟ ومن هم؟؟ وما حال أهلي بعدي؟؟ ورغم محاولاتها تركيب هذه الأسئلة إلا أن ميري لم تفهم عليها

لقد قالت لميري يوما أنها من المدينة من السعودية ولكن ميري لم تفهم كلامها ربما لطريقة نطق لمار ولسانها العربي المختلف

وظلت لمار تحاول وتحاول

إلى ذلك اليوم عندما دخلتا السوق لشراء بعض الأغراض المنزلية وذلك بعد مضي شهرين ونصف من قدوم لمار

فرأت لمار امرأة محجبة بجانب زوجها ففرحت وتهلل وجهها فهذه المرة الأولى التي ترى امرأة مسلمة في هذا البلد المسيحي

انسلت من جانب ميري وتوجهت لتك المرأة لتسألها: أأنت مسلمة؟
التفتت المرأة باستغراب نحو الفتاة وقالت بلهجة أجنبية : اه موسليما
فسألتها لمار: تتكلمين عربي؟
فردت المرأة باسمة : أربي أوه نو نو

ظهرت الخيبة على وجه لمار فقد كانت في جعبتها أسئلة تريد طرحها على هذه المرأة ، وبينما هي واقفة والحزن يخيم عليها سحبت ميري يدها لتسألها عن هذه المرأة وتوبخها على الابتعاد عنها

ثم أشارت إلى المرأة وقالت للمار بلغتها: إنها تركية مثلك

فهمت لمار في تلك اللحظة أن ميري تعتقد أنها تركية وليست عربية

فردت لمار عليها وقالت أنا لست تركية أنا سعودية

فتحت ميري عينيها مندهشة وقالت أأنت عربية
ثم قالت سؤديا أريبيا
أوه يا للاكتشاف المثير حقا !!

وعادت إلى البيت مسرعة فهي تحس برغبة في الثرثرة مع لمار عن حقيقة جنسيتها

وعندما وصلتا للمنزل حكت لها لمار بلغة مكسرة وبصعوبة بالغة عن الأحداث الغريبة التي حصلت لها مؤخرا

وميري كانت تستوقفها عند كل جملة حتى تفهم عليها جيدا

فهمت ميري مجمل القصة ولكن بعض الكلام التي أرادت لمار إيصاله لم تفهمه بسبب التكسير في لهجة لمار

سألتها لمار في نهاية الحديث : أنا أين أنا

سؤديا تركيا أمريكا ... وأخذت تعدد عليها بلهجة مخلوطة بالعربية

فهمت ميري مقصد لمار أخيرا وأخذت تضحك

لقد اكتشفت للتو اكتشافا خطيرا

فهذه الطفلة رغم ذكائها لا تعرف موقعها من العالم

ثم أعطتها الإجابة

ولكن لمار لم تستفد منها شيئا فهي لأول مرة تسمع بهذه المدينة ربما بسبب النطق وربما بسبب ثقافتها الضحلة .. فهي لا تزال طفلة الثانية عشرة
 
الجزء الرابع..

رغم تفوق لمار في المدرسة في جميع المواد الدراسية بما فيها الجغرافيا إلا أنها لم تسمع ببلد اسمه (الاس) وهي متأكدة من ذلك

لطالما لعبت مع أخوتها لعبة الأطلس .. كان أحدهما يمسك الأطلس فاتحا على إحدى الصفحات ويختار اسم مدينة أو نهر أو أي شيء ثم يعطيها للاخر ليبحث عن موقع تلك المدينة وهكذا

حاولت لمار تذكر الأطلس .. وقالت في نفسها لا بد أنني في بلد غريب ربما في أوروبا أو أمريكا

أين بالضبط لا أدري ؟؟

واستعرضت أسماء الدول الأوربية بريطانيا هولندا فرنسا اسبانيا ... أي من هذه الدول يسميها أو ينطقها أهلها ألاس؟؟

لم تتوصل إلى نتيجة وخطر في بالها أن تسأل ميري عن القارة ما هي؟

ولكن ما ترجمة كلمة قارة؟

ذهبت لمار إلى ميري لتسألها في أي قارة هي من العالم ولكن..

ميري لم تفهم مقصد لمار ورغم أن لمار رسمت لها رسما تقريبيا لشكل القارات .. إلا أن ميري حسبتها تسأل عن موقع المدينة من البلد

وباءت محاولات لمار بالفشل ... فميري ملت من أسئلة لمار المتكررة عن نفس الموضوع

وفي ذلك اليوم دخلت لمار على ميري في المطبخ بعد عودتها من العمل وسألتها وهي تردد أوروبا أمريكا اسيا ... علها تفهم أنها تستفسر عن القارات

ولكن ميري منزعجة فهي متعبة من العمل وهي الان تعد الغداء ولا تريد أن تسمع هذه الأسئلة التي ليس لها داعي في نظرها

غسلت يديها ثم نشفتهما وأمسكت بيد لمار وأخذتها إلى الصالة حيث جلستا إلى الطاولة

وقالت لها يا ابنتي .. أنت حقا بمقام ابنتي ونحن نرعاك رعاية تامة .. أتفهّم أنك تريدين العودة لبلادك .. ولكن هذا ليس بمقدورنا .. فالجهات المسئولة ستحاسبنا على إيوائك غير الرسمي وقد يتهموننا باختطافك بينما لم نفعل ذلك

اقبلي بوجودك معنا مؤقتا ولا تكرري هذه الأسئلة التي لن تخرجي منها بفائدة

أنا أؤمن بأن الرب سيجعل لك مخرجا من هذا الأمر ولكن لا تتعجلي

يوما ما يا ابنتي ستتعلمين لغتنا حتى الإتقان وستتكلمين بطلاقة وستسألين وتسمعين إجابة لأسئلتك المحيرة

ثقي يا عزيزتي أنك ستعرفين كل ذلك لاحقا .. وما عليك سوى الانتظار قليلا

00000000000000000000000

الحق أن ميري كانت تستطيع مساعدة هذه الطفلة العربية جذابة الملامح الرقيقة الحسنة الأخلاق

تستطيع أن تساعدها على العودة إلى بلادها إما بالاستعانة بالسفارة أو بالشرطة

ولكن هذا يتنافى مع ما كانت ميري تخطط له

فهي تنظر إلى لمار على أنها هبة السماء

وهي تعوضها عن فقدان ابنتها الصغيرة قبل عشرين سنة

وعن غياب ابنها كارلوس

لقد عزمت على تبني هذه الفتاة .. فقد أحبتها كثيرا

وأعجبتها كثيرا

كل شيء في لمار مثل السحر يعمل عمله في من يعرفها

عيناها براقتان جميلتان بريئتان

وجهها سمح ولطيف

أخلاقها هادئة ومؤدبة (هذا الهدوء لم يكن من طبعها ولكن الغربة فرضته عليها)

ذكية ونبيهة

إنها أكثر مما تتمناه ميري

فكيف تفرط بها؟

لن تسمح بهذا الأمر أن يحصل ... ستصور أمر عودتها بغاية الصعوبة .. وتحاول جاهدة أن تغمرها بالحب والحنان والرعاية حتى تحبها هي الأخرى

وستنسى ولو قليلا أمر عودتها لبلادها

ويبقى أمر ديانتها .. لا بد أن تغير من مفاهيمها الإسلامية .. حتى تستطيع إدخالها الديانة النصرانية

0000000000000

المشكلة التي تواجه ستوفيوس وزوجته هي أن هذه الفتاة بلا هوية وليس معها أوراق ثبوتية رسمية .. مما جعلهما لا يخرجان بها كثيرا
تخرج مرة واحدة في نهاية الأسبوع ... وفي الأماكن الهادئة فقط ، حيث يذهبون للنزهة ..

وفي المساء كل ليلة تعطي ميري دروسا للمار في اللغة والثقافة العامة للبلد

000000000000000000000000000000 00000000
 
ومرت سن ة كامل ة

الوضع لم يتغير كثيرا .. فأبو أحمد لا يزال يبحث عن ابنيه المفقودين داخل وخارج السعودية

وأحمد لا حس ولا خبر

ولمار هدأت أسئلتها نوعا ما .. وتطورت لغتها بشكل ممتاز ... كما أنها اعتادت هذه الحياة

وطبعا فاتتها سنة دراسية كاملة ولكن ... ما بيدها حيلة !

بينما ستوفيوس وميري يحاولان جهدهما أن يوفرا للمار كل ما تحبه وترتاح له ويغدقان عليها المحبة والحنان

فعندما تدخل ميري من العمل تضمها لصدرها وتمسح على شعرها وتدلعها عندما تناديها فتقول: لوري

تشتري لها الهدايا ما بين وقت واخر

وترعاها عندما تمرض

وكانت تعاملها معاملة الأم تماما

أما ستوفي فهو الاخر يحبها ويحميها ويخاف عليها كثيرا

وفي أيام الشتاء الجميلة يصحبها للتزلج على الثلج ... ولا يبتعد عنها كثيرا حتى لا تسقط فتكسر ساقها أو يدها

كان يحرص أن لا تتعرض لأي شيء يجعلها تذهب للمستشفى حتى لا يفتضح أمرها

أما لمار فعرفت أنها لن تستطيع العودة الان ... فأضمرت في نفسها أن تنتظر حتى الوقت المناسب

طيف أمها وأبيها وأخوتها لا يفارقها أبدا

تشتاق إليهم وتتذكرهم كلما أغمضت عينيها لتنام

ثم تنزل دمعة حارة على وجهها الطفولي لتصور مدى الأسى في نفسها المعذبة

0000000000000000000000

خلال تلك السنة وفي عيد الكريسماس وجد ستوفي وميري هذا العيد مناسبة للتأثير على الطفلة المسلمة

قالا لها بقي على العيد أسبوع واحد وسنحتفل بذلك ... سنشتري لك الملابس الجميلة والهدايا والحلوى وسنذهب لنبارك هذا العيد في الكنيسة

ولمار لا تعرف لفظ الكنيسة ماذا يعني بالطبع وكذلك الكريسماس ؟؟

ولا تعرف شيئا من طقوس النصارى إلا القليل مما تراه في التلفاز

وهي بظنها أنه احتفال وطني

وقبل العيد بيوم واحد حملت لها ميري صليبا ذهبيا معلقا بسلسلة لتلبسه في عنقها

طرقت عليها الباب لتعطي لمار فستانها الجديد وحذاءها وعقدها الذهبي وقدمته لها

فرحت لمار بها ثم شكرتها على هذه الهدايا

خرجت ميري وأغلقت الباب خلفها

نظرت لمار إلى الفستان بفرح غامر .. فهي لم يسبق لها أن رأت مثل هذا الفستان الجميل فستان أبيض حريري

ومعه قبعة وردية بشرائط ذهبية وحذاء أبيض راقي

لبستها وأحست نفسها في تلك اللحظة أميرة في أحد الأفلام الكرتونية ، أو سندريلا في حفلة الأمير

ثم انتعلت ذلك الحذاء الأبيض الناعم

وقفت أما المراة وهي ترفع شعرها تارة وتسدله على كتفها تارة وتدور حول نفسها ثم تنظر إلى المراة بإعجاب فقد تغير جسمها في الاونة الأخيرة حيث تطور جسمها وكأنه استعداد لدخول مرحلة المراهقة أو الشباب

فقامتها أطول من الصيف الماضي

التفتت حيث العلبة الحمراء الداكنة وفتحتها لتفاجأ بالذهب فيها حملته ثم دققت في الشكل المصاغ أمامها

إنه صليب ... وتذكرت في العام الماضي عندما نبهتم جارتهم أسماء إلى وجود بعض الملابس التي تحمل رسم صليب

ثم طلبت منها أمها بالتعاون مع أختها الصغيرة لمياء أن يبحثن في ملابسهن عن هذا الرسم ويطمسنه

قامت لمار ولمياء بنبش دولابهن والتفتيش عن علامة صليب ولكن لم يجدن شيئا إلا بعض التقاطعات العشوائية والتي ظننها صليبا

وعندما فتشن في دولاب أخوانها الصغار وجدا رسما لصليب على قميص لمحمد أخيها

فصرخن في فرحة ونشوة وكأنهن أمسكن بالشيطان وكل واحدة منهن تقول لأمها أنا لقيته أول

فقالت أمهن: ما شاء الله عليكم يا بناتي بعطيكم مكافأة ... انتهبوا لعلامة الصليب والرسومات الشيطانية ورمز اليهود لا تشرون شيء فيها هذي الرسومات

فرسخت من تلك اللحظة في ذهن لمار أن الصليب منافي للعقيدة الإسلامية فهو يرمز للديانة النصرانية

اهتزت لمار في مكانها وهي تمسك بالصليب الذهبي في يدها .. واقشعر جسمها لذلك

ماذا تفعل به؟

مستحيل تلبسه ولكن ماذا تقول لميري عندما تقول لها لن ألبس الصليب؟

رمت نفسها على السرير فقد أصيبت ببعض الخيبة والإحباط رغم الفرحة التي عمت أجواءها قبل قليل

يا ترى ما العمل؟

غدا الحفلة وعليها أن تسايرهم وتلبس صليبهم ... هل يعقل أن ألبس الصليب وأنا أحاربه قبل ذلك

في الغد ستتضح الأمور
 
الجزء الخامس..

في ليلة عيد الميلاد يحتفل الجميع بهذه المناسبة والتي تأتي في منتصف الشتاء القارس

والجميع تشع الفرحة في وجهه ويعمل بنشاط ماعدا فتاة واحدة في تلك الديار البعيدة

من صباح ذلك اليوم لمار تعمل وتمشي بلا فكر

فقد أحست بتضييق الخناق عليها

ماذا يريدون منها ؟ هل يريدونها نصرانية مثلهم؟

ومع حلول المساء لبست لمار ملابس العيد والحذاء والقبعة

ولبست الفرو ليقيها البرد

وجلست على سريرها والهواجس تنتابها كل حين

دخلت ميري لتجد لمار تجلس بحزن على السرير فسألتها عن سبب حزنها ... وفي نفس الوقت لاحظت أن لمار لم تلبس الصليب

فردت عليها لمار: أنا مسلمة وما أقدر ألبس الصليب لأنه حق النصارى

قالتها بصدق وبراءة

ظهر الضيق على وجه ميري وسرعان ما ردت عليها
- ابنتي العزيزة من قال أن هذا يخص النصارى إنه مجرد رسم جميل وتذكاري
ونحن كلنا مسلمون وكلنا نصلي ولكن أنت أفضل مننا ... لأنك تحافظين على صلاتك .. بينما أنا وستوفي لا نتذكر الصلاة إلا عند النوم ... نعم عندما أريد النوم أسترجع ما فعلته في نهاري فأتذكر أني نسيت الصلاة

فرحت لمار وقالت: مسلمين مثلي؟؟

قالت نعم.. ولكن ... تعرفين نحن نعيش في بلاد بعيدة عنكم في السعودية وعندنا تقاليد خاصة بنا وصلاتنا تختلف قليلا بسبب اختلاف اللغة الجو والثقافة

فردت لمار في دهشة : ولكن المسلمات يتحجبن وأنت لا؟؟

قالت نعم .. كم أود ذلك ولكن ظروف حياتنا تختلف ... الإسلام في القلب يا عزيزتي .. يكفي أن نؤمن بوجود الرب وأن نعامل الناس بإخلاص ونساعدهم عندما يحتاجون المساعدة

وكانت ميري تريد من خلال حديثها خلط الأمور في عقل الصغيرة لمار ...

فصارت لمار في بلبلة فكرية وشكوك تشوش عليها يقينها وإيمانها وإسلامها

إلا أنها رغم محاولات ميري مازالت تنظر للصليب بريبة وترفض لبسه

وعندما أخذت ميري الصليب لتعلقه عليها .. قبلتها على جبينها أولا ثم ألبستها الصليب ولكن..

مدت لمار يدها بخوف وشدته بعيدا وكأنه حبل المشنقة

وصوت أمها يتردد في أذنها : الصليب للنصارى وما يحب المسلمين والمسلمين ما يلبسونه

ثم قالت لميري وهي تتخذ قرارها: لن ألبسه أنا اسفة

ثم قامت وأعرضت عنها

ميري تمالكت نفسها وقالت للمار بهدوء: لا تصعّبي الأمور، فهذا العقد (ولم تقل الصليب) هو مجرد كرت دخول للكنيسة

ولن يسمحوا لك بدخول الكنيسة .. البسيه الليلة فقط .. لتري الحفلة ولن يؤثر ذلك عليك

هيا عزيزتي سارعي قبل أن يذهب الوقت علينا

لم ترد لمار وظلت واقفة ومعرضة عنها

ستوفي... في الصالة ينادي عليهما ويقول أنهم تأخروا ويجب أن يلحقوا بالحفلة

ميري لم تيأس من لمار فظلت تذكرها بالكعك وبابا نويل والحفلة الرائعة و...

ولمار كأنها التمثال لا تستجيب لذلك

في نفسها قالت ميري: يا لها من عربية عنيدة جدا ... ولكن ستتحسرين يا لمار عندما ترين الصور وإن فاتنا كريسماس هذه السنة فلن يفوتنا العام القادم

ثم قالت بصوت ظاهر للمار: لن نرغمك على شيء عزيزتي ... لك ما تريدين ... ستجلسين في المنزل ولكن لن ننساك في الحفلة ... سنجلب لك الحلوى والهدايا ونصورها حتى تستمتعي بذلك ..
كم تمنيت أن تذهبي معنا ولكن لن يسمحوا لك بالدخول ما لم تلبسي العقد الذهبي.. ولكن لا تقلقي فلن نتأخر عليك

وخرجت

لمار كانت كمن دخل في دوامة .. أحست بالدوار ورغبة في البكاء وضيقا في التنفس

فرمت نفسها على السرير لتبكي وتبكي وتبكي وتتذكر أهلها وأعيادهم السابقة وصلاة العيد في الصباح وكل شيء جميل هناك

حتى نامت وهي تحلم بذلك كله

0000000000000

ثم رأت للمرة الثانية حلما رأته عندما نامت أول مرة في هذا البيت

رأت امرأة بملابس بيضاء مستلقية على فراشها وتقول ليحفظك الله يا بنتي .. لا تيأسي وابحثي .. فأنا قريبة منك

ثم رأتها تنزع صليبا علق في رقبتها وهي تقول أبعديه عنك إنه لا يناسبك

وعندما فاقت من نومها قبيل الفجر ... كانت الأنوار مفتحة والفستان مازال عليها وكذلك الحذاء

العلب المفتوحة كما هي .. فهذه علبة على التسريحة .. وأخرى على الأرض

ثم تذكرت الصليب فبحثت عنه
 
إنه على التسريحة في علبته .. إذن لم تأخذه ميري وتركته لها

تذكرت منامها وقالت: لن ألبسه ... مستحيل هم نصارى ويبون يخلوني زيهم ... لا مستحيل .. أنا أحب ديني وأهلي وبلادي

يارب ترجعني بأسرع وقت .. أنا كرهت هالمكان ومليت ...

وانخرطت في البكاء من جديد

ولم تتوقف إلا عندما تسلل إلى غرفتها ضوء الفجر الأزرق البارد

غسلت وجهها وصلت الفجر ودعت ربها كثيرا .. فهي التي رباها والدها على أن ترفع كفها كلما أرادت شيئا ليحققه الله

فهو الواحد الأحد وهو على كل شيء قدير

ومرت تلك الحادثة بسلام

وميري لم تعد تحدثها بذلك الموضوع حتى لا يكون هناك رد فعل أسوأ مما حصل

جاء فصل الربيع الجميل ثم اقترب فصل الصيف ... الذي أكملت فيه لمار سنة كاملة على غيابها عن أهلها

00000000000000000

في ذلك الصيف أراد ستوفي وميري السفر كعادتهما ولكن...

كيف يسافران ومعهما لمار ؟؟

لن يستطيعا السفر بالطائرة أو السفر بعيدا وليس أمامهما سوى السفر لأحد القرى الريفية القريبة من العاصمة حيث يسكنان

وقررا السفر لمدة أسبوع واحد يستجمان في تلك النواحي الريفية ويتفرجان على الاثار الإغريقية القديمة التي تكثر في هذا البلد (الاس)

في هذه البلدة الصغيرة يكثر السياح الوافدون لرؤية الاثار وللاستجمام بجانب الشاطئ المتوسطي الجميل

سافر الجميع بالسيارة القديمة التي يمتلكها ستوفيوس والتي لا يحركها أكثر من مرة في الأسبوع... فقط عندما تستدعيه الحاجة لذلك

هذه السيارة التي لم يسافرا عليها من فترة طويلة حيث كانوا يستقلون القطار أو الطائرة

تجلس لمار في الخلف حيث تشاهد منظر المغادرة من العاصمة الشامخة بمبانيها

ثم إلى الطريق الذي تحيط به بعض المصانع والمزارع والقرى الصغيرة

ساعة مرت من الوقت وهي مسافة الطريق حتى وصلوا

وفي بهو الفندق يتوزع فيه سياح قادمون من خارج البلاد للإقامة هنا

أخذت لمار توزع النظر فيما بينهم لعلها تتعرف إلى أحد أو ترى وجوها عربية

لاحظت ميري نظرات لمار فأخذتها حيث بعض الملصقات والإعلانات عن رحلات بحرية للسباحة أو للصيد الذي تشتهر به هذه المدينة الصغيرة

لمار لم يخف عليها ما أرادته ميري من أن تصرف نظرها عن السياح

ولم يلبثوا أن صعدوا إلى غرفتهم في الدور السابع

اخذوا بالاستعداد للنوم باكرا حتى يخرجوا للجولة السياحية في الصباح الباكر

000000000000000000000000000000

في الصباح نزلوا حيث الإفطار الفندقي الشهي

وحيث البوفيه المفتوح والمنوع مابين مأكولات غربية وشرقية تلبي حاجات السياح القادمين من كل مكان

أخذت لمار صحنها لتدور حول البوفيه المقسم إلى مقبلات وقسم حلويات وقسم البيض وقسم السلطات وهكذا

دارت حتى ابتعدت عن أعين ستوفي وميري ثم وقفت في قسم البيض .. فهو طبقها المفضل

في هذا المكان المزدحم سمعت كلمات عربية من مكان ما هنا

ثم التفتت لتلتقي عيناها بعيني رجل يقف مع زوجته ويتشاوران

الزوجة سحبت زوجها بعيدا عن عيني الفتاة المراهقة بنظرها

أخذت لمار البيض وبعض الخبز وهي تفكر هل ستذهب لهما ؟؟

لمار حبيتي عجلي حتى لا تفوتنا الرحلة ... ناداها ستوفي بذلك

أسرعت إلى الطاولة وهي تفكر بالرجل العربي وزوجته

وعندما انتهوا من الإفطار صعدوا إلى الغرفة ليحملوا أمتعتهم ... فالرحلة البحرية مدتها سبع ساعات ولا بد من بعض المئونة رغم أن الرحلة تقدم لهم طعام الغداء

صعد السياح القادمين من خارج البلاد وداخلها إلى السفينة الكبيرة والذين يصل عددهم فوق المائتين

وتجمع الجميع داخل السفينة... فهذا في المقصورة حيث الكراسي والتلفاز

واخر على حافة السفينة حيث البحر والأسماك

وهناك في السطح مجموعة مستلقين على الكراسي البحرية تحت أشعة الشمس

يلمع هنا فلاش الكاميرا

وهناك أطفال يلقون ببعض الفيشار والكريسبي للأسماك

000000000000000000000000000000 000000000

لمار تقف في أحد الزوايا وتحس كمن فوّت على نفسه فرصة ذهبية عندما لم تلحق بالرجل العربي

وفي نفس الوقت تحس بمراقبة ستوفي وميري لها .. مما يضيق عليها الخناق

أخذت تتجول بينما ميري تقول لها: لا تتجولي يا ابنتي حتى لا تصابي بدوار البحر

ولكن لمار تعللت بأنها لا تحب الجلوس

عندما دخلت المقصورة وجدت الرجل العربي وزوجته يجلسان وأمامهما كوبي شاي

فرحت وتجرأت لتقول لهما بالعربية: ممكن مساعدة

ردت المرأة : يعني شو بنساعدك ... شو بدك ... تكلمي معي مو مع زوجي

الرجل العربي ذي السحنة الشامية قال: ماظنيتك عربية بتتكلمي زينا .. لكن شو عندك .. تكلمي

ومن خلفها سمعت شخصا يقول : لا تكملي ... تعالي هنا

إنه شخص يتكلم العربية وقبل أن تستدير لترى الرجل كانت تفكر ... من يكون هذا الرجل الذي يناديها من خلفها؟

هذا الرجل ... يكون من؟؟
 
الجزء السادس..

بالعربية قال الرجل للمار
- وش تبين منهم؟؟
- أنت مين؟
- ردي على قد السؤال
- أبي المساعدة
- اتركيهم .. أنا أساعدك
- وأنت مين؟؟
- ما فيه وقت تحققين معي قولي لي وش تبين ؟؟
- ما أقدر أقول لك كل شي ... أبي شي واحد ... ودي أرجع لأهلي
- واللي معك هناك مو أهلك؟؟
- لا ...
- كنت حاس بهالشي عشان كذا من يوم شفتك وأنا أراقبك ...
- ما أقدر أطول معك بالكلام .. لأنهم يدورون علي
- طيب ... كيف أساعدك
- ما أدري
-
وأنزلت لمار عيناها إلى الأرض تفكر مليا

فإذا بالرجل الغريب يبتعد عنها قليلا وكأنه لم يتكلم معها قط

نظرت إليه باستغراب .. ثم أدارت نظرها لترى ستوفي قادما نحوها

لمار ... ماذا تفعلين هنا؟؟ نحن نبحث عنك منذ وقت؟؟

ردت لمار وهي تفتعل التعب: كنت أحس ببعض الدوار فاسترخيت قليلا على هذه الكراسي

فاقترب منها ستوفي ووضع يده على رأسها قائلا: لا بأس حبيبتي .. فأنت لم تعتادي ركوب السفينة
تعالي إلى ميري ستعطيك حبوب دوار البحر

ومشت خلفه وهي تنظر للرجل الغريب .. والتي ودت فقط أن تعرف اسمه .. وكيف سيساعدها؟؟

رغم جمال البحر ورغم المتعة التي اتسمت بها الرحلة ... إلا إن لمار كانت واجمة بسبب فشلها في الاستعانة بالعرب الذين شاهدتهم على متن السفينة

لقد أمسكت بها ميري طيلة الوقت ولم تترك لها فرصة للتواصل مع هؤلاء العرب

وهكذا فاتت عليها الفرص التي ستخلصها من هذا السجن الكبير الذي يسمى بلاد (الاس)

000000000000000000000000

يوسف ... شاب عمره ثلاثون عاما ويعمل طبيبا في أحد مستشفيات العاصمة التي استقر فيها بعد أن أنهى دراسته الطبية ...
وهو ذلك الرجل الذي التقى بلمار في السفينة

عندما راها تتكلم مع الرجل العربي وزوجته ناداها بعد أن سمعها تطلب المساعدة منهما .... وكان يراقبها قبل ذلك لا لشيء إلا إنه أحس بأمر غريب في هذه الفتاة الصغيرة

من أول وهلة دخلت فيها بهو الفندق لاحظ الاختلاف التام بينها وبين الزوجين اللذان ترافقهما

ستوفي ذي الملامح الأوربية والشعر والحاجبين الأحمرين وزوجته الشقراء ذات الشعر المجعد ... يختلفان تماما عن لمار بملامحها الشرقية وشعرها الكستنائي الناعم الكثيف

أيضا لاحظ توترها والغربة التي تطل من عينيها

ليس هذا الذي شده بقدر ما شدته ملامحها

ليست بغريبة عليه

كأنه رأى هذه الملامح قبل ذلك؟

هل راها فعلا؟

أم أنه رأى من يشبهها؟

لا يدري بالضبط؟؟

ولكنه متأكد من أنه يعرفها أو يعرف أحدا له نفس الملامح

لذلك أخذ يراقبها ... حتى أنه عرف الغرفة التي تسكنها مع هذين الأوربيين

وعرف أنهم سيركبون السفينة في الرحلة البحرية ... فقص تذكرة مثلهم

ومن لحظة صعوده السفينة وهو يراقبها ويتحين فرصة للحديث معها

ومع ذلك فإنه سرعان من انصرف عنها عندما لاحظ ستوفي داخلا المقصورة ليبحث عنها

فاستدار مبتعدا بمهارة حتى لا يوقع هذه المسكينة في مشكلة وتمنى لو عرف فقط اسمها ومن أين جاءت؟؟

حاول أن يصل إليها بأي طريقة ... ولم يستطع

ولم تبق أمامه غير وسيلة واحدة فقط ...؟؟
 
000000000000000000000000

عادت لمار من الرحلة البحرية مساءا فاستحمت واستعدت لتناول العشاء في الغرفة بمشاركة ستوفي وميري وبعد العشاء جلسوا لمتابعة التلفاز

أما لمار دخلت لتنام في الغرفة وهي تحس ببعض الإحباط – الغرفة لها هي وميري حيث لا يدخل ستوفي فهو ينام في الصالة الصغيرة – ألقت بجسدها النحيل ونامت لتحلم أحلاما غريبة ومزعجة

انتبهت لمار في ساعة متأخرة من الليل خرجت إلى الشرفة التي لها باب في الغرفة وفي الجانب الاخر باب على الصالة

وقفت لتطل على جانب من الشاطئ الساكن ليلا بينما تزخر بعض المحلات الجانبية بالسياح الساهرون ليلا إما لشرب أو رقص وغيره

جلست تفكر بأمرها وبهذا البلد الغريب الذي لا تعرف موقعه من العالم إلى الان.. ؟

تذكرت أهلها أمها أباها أخوتها ... أخاها أحمد الذي لا تدري إن كان قدم معها إلى هذه البلاد وتاه مثلها أم أنه بقي في السعودية ... لا تدري

وظلت تتذكر وتتذكر إلى أن رأت بزوغ الفجر .. فأسرعت لتتوضأ وتصلي وعندها أمل أن تشاهد الرجل الذي أراد مساعدتها بالأمس

صلت وانتظرت في الغرفة حتى الساعة السابعة وهو موعد الإفطار .. وما إن صحا ستوفي وميري حتى قالت: أريد أن أنزل للإفطار

ردت ميري: انتظري قليلا ريثما ننتهي من تبديل ملابسنا

0000000000000000000

نزلوا حيث بوفيه الإفطار وطاولات الطعام الموزعة داخلا وخارجا حيث الحديقة

رأت لمار على إحدى الطاولات بالقرب من مدخل البوفيه الرجل العربي وكأنه ينتظرها

ثم قام فجأة ليضع شيئا ما على إحدى الطاولات الفارغة مركزا الكأس الزجاجي عليه وعاد إلى طاولته وأكمل إفطاره بصمت صارفا النظر عن جميع ما حوله وكأنه يفكر بشيء ما

أسرعت لمار إلى الكأس وسحبت الورقة تحته لتضعها في جيبها .. وهي لا تدري ما كتب فيها

ثم ذهبت لتأخذ فطورها وتجلس بجانب ميري وستوفي

بعد ذلك صعدوا لغرفتهم ليستعدوا للخروج

دخلت ميري الحمام لتفتح الورقة فليس هناك مكان تخلو به

ثم قرأت الورقة التي فوجئت بأنها مجموعة من الأسئلة عن جنسيتها وعنوانها واسمها

لقد طلب منها أن تسجل ذلك وتترك الورقة في بهو الفندق عند الطاولة رقم تسعة متى ما خرجت

ثم نزلت مع ستوفي وميري وعندما مرت من البهو تظاهرت بأنها تريد أن تقرأ القائمة الموجودة على الطاولة وعندما اقتربت لاحظت الأرقام الموجودة على الطاولات ووجدت أن رقم تسعة هو رقم الطاولة الأقرب ...

أسرعت لتضع الورقة بعد أن كتبت الإجابات وعادت لتلحق بميري وستوفي وخرجا من الفندق

كل ذلك المشهد كان أمام ناظري يوسف الذي يقف مبتسما بالقرب من الكوفي الموجود يمين البهو ... أسرع إلى الطاولة وسحب الورقة فقرأ: لمار
سعودية
العاصمة

ارتاح يوسف عندما علم أنها تسكن في العاصمة حيث يسكن وقرر أن يكشف سر وجود هذه الفتاة هنا؟؟
 
عودة
أعلى