قصة الموعد منقول

الموعد

1‏

تصلني باستمرار رسائل عديدة... ملوّنة، كبيرة وصغيرة، ذلك كوني من هواة التعارف والمراسلة.‏

وحدث، بعد أن صدرت مجموعتي الشعرية الأولى، أشياء رائعة في حياتي، من بينها ازدياد بطاقات المعايدة والرسائل الموجهة إلى صندوق بريدي.‏

ولأنني بدأت أحب قرائي، فقد شرعت أقضي وقتاً طويلاً، ومجنوناً في كتابة الردود، وشكر أولئك الذين أعجبوا بقصائدي.‏

ومن بين تلك الرسائل الملونة، رسالة حلوة أنيقة ولطيفة، وصلتني بالأمس من امرأة تقول إنها أعجبت كثيراً بمجموعتي الشعرية، وتطلب في نهاية رسالتها أن نتقابل حوالي الساعة السابعة من مساء يوم الخميس القادم في صالة الفنانين...‏

ولكي لا تختلط علي الأمور، وأضيع، فقد وجدت تلك السيدة أن من المناسب إرفاق صورتها مع كتابة جملة رقيقة على ظهرها، ما زالت ترن في رأسي، وستبقى ترن طالما هنالك نساء على وجه الأرض.‏

إنما... وبسبب كثرة الرسائل المتعلّقة أيضاً بقضايا ومشاكل بعيدة عن الشعر والأدب والفن، بدأت أجد صعوبة في ترتيب مواعيدي، وردودي، وفي أفضل الحالات كنت أنسى.‏

-2-‏

في الساعة السابعة إلاّ ربعاً من مساء الخميس، حضرت سيدة جميلة، فاتنة، ارتدت أجمل ثيابها، وحملت رزمة من الأوراق داخل حقيبتها السوداء الصغيرة، سيدة ذات وجه أبيض، واسع ومدوّر، وعينين واسعتين خضراوين.‏

جلست في ركن الصالة قرب النافذة، ثم طلبت بوقار ولطف كأسين من الشاي، ولاشك أنها الان في حالة قلق وارتباك مما سيحدث بعد قليل، كيف ستواجه ذاك الشاعر الرقيق الذي هزّ وجدانها وزلزل أعماقها... وجعلها تهذي بين فترة وأخرى...‏

في السابعة تماماً، دخل شاب أنيق، هادئ، ومستعد على ما يبدو للقاء تلك السيدة، وقف عند الباب وشرع يتأمل وجوه الحاضرين، دقّق في وجه جميل، كان يجلس في الداخل، وحيداً، حاول أن يتذكّر ملامح الصورة، ثم ابتسم بعد لحظة، وخطا نحو الطاولة البعيدة...‏

وما إن وصل حتى نهضت السيدة، ابتسمت ابتسامة كبيرة، مضيئة ومعبّرة، مدّت يدها ذات الأصابع القصيرة، الناعمة، وصافحت بحرارة وثقة يد الشاب.‏

-مساء الخير... لاشك أنّكِ...‏

-بالضبط... تفضل، يسعدني رؤيتك يا أستاذ...‏

-شكراً... ولكن، بصراحة.‏

قالت السيدة مقاطعة:‏

أرجوك.. أرجوك لا تقل شيئاً، دعني أخبرك عن انطباعاتي حول مجموعتك، بصراحة إنها رائعة... عذبة...‏

-ولكن...‏

-قلت لك من فضلك، لا تقل شيئاً، أنا أرسلت لك رسالة، أطلب فيها حضورك، وها أنت قد لبيت دعوتي مشكوراً، فأرجو أن تدعني أخبرك عما حدث لي بعد قراءة مجموعتك... اه يا أستاذ، لاشك أنك موهوب جداً، وقلمك ساحر ولديك مقدرة عالية في الوصف، وحسّك إنساني عميق، حتى ابنتي التي لم تتجاوز العشرين بعد، قالت لي هذا الصباح:‏

أشك يا أمي بهذه القصائد، وأعتقد أنها لامرأة، وربما وقّعت باسم مستعار لرجل ما، لتحمي نفسها ممن حولها... اه يا أستاذ، ابنتي هذه لم تصدّق حين قلت لها بأنني سأراك هذه المساء... وقد رجتني أن تزورنا، بصراحة، مازال يراودها شك كبير بأنك امرأة!‏

-ولكن... أرجوك يا سيدتي... اسمحي لي أولاً أن أخبرك أمراً مهماً للغاية.‏

وعند هذا الحد، انتبهت السيدة لشيء ما خطر فجأة في ذهنها، فصمتت وهي تحدق في وجه الشاب الذي اقتنص الفرصة في تلك اللحظات السريعة. فقال كأنه يريد التخلص من حمل ثقيل مربك:‏

المعذرة يا سيدتي... المعذرة، بالنسبة لأخي صاحب المجموعة الشعرية، فإنه يعتذر منكِ أشد اعتذار، لأنه لا يستطيع الحضور لرؤيتك هذا المساء، ويأمل أن يراك في وقت اخر...‏

***
 
عودة
أعلى